عصفورٌ في القلب (مسرحية للأطفال)
عبد الرحمن الوادي
*شخصيات المسرحية:
- جنين
- الهزار
- العمُّ سام
- شارون
- سين
- جنين: (تمشي بين الصفوف وهي تحمل باقة ورد)
زهور.. زهور.. ها هي بمختلف الألوان والعطور.. من يريد منكم زهرة؟
- العمُّ سام: (يتبعها مصوِّباً بندقيته،
ويجرُّ كلبه) كُخ.. كُخ.. كُخ، بُّم.. بُّم.. بُّم، كُخ.. بُّم، بُّم.. كُخ
- شارون: (يقتفي أثرهما) وأنا.. في حقيقة
الأمر لن أخفي عليكم سرِّي.. سأكشف لكم الآن حقيقتي.. مع أنَّه لا يهمُّني أن تعرفوها..
- جنين: تفضَّل خذ سيِّدي.. تفضَّلي خذي سيِّدتي..
حتَّى وإن لم يكن لديكم المقابل.. عفواً أيُّها السَّادة وأيَّتها السِّيدات.. أطلب
منكم المعذرة.. لقد فاتني أن أقدِّم لكم نفسي..
- العمُّ سام: ولكن لماذا سأقدِّم لكم نفسي
أنا.. ما دمتم جميعاً تعرفونني.. وبدون استثناء..
- شارون: كان اسمي في الأوَّل – كما سمَّاني
به أبي.. هذا إذا كان لديَّ فعلاً أبٌ شرعي
- جنين: أنا يا سادة يا كرام.. اسمي جنين..
- العمُّ سام: (مبرزاً بندقيَّته) هذه هويَّتي..
إنَّني متيقِّنٌ تمام اليقين أنَّه لا يملك أحدٌ منكم أختها.. لأنَّه لا يوجد في العالم
بأسره ثانٍ من صنفها.. وهي في ملكي أنا وحدي..
- شارون: كان شرٌّ هو اسمي.. ثم رأيت حين
اشتدَّ عودي وبأسي أنَّه من اللاَّئق طبعاً بي أن أمدِّده..
- جنين: أكسب قوت يومي من بيع الزُّهور..
بأجمل الألوان.. وأزكى العطور..
- العمُّ سام: أنا العمُّ سام.. أجل أنا العمُّ
سام.. الرَّجل الهام.. على طول العصور والأيَّام.. لأنَّني أنا من يعلم صنعها.. ويجيد
استعمالها..
- شارون: لقد قمت بإدخال ألف المدِّ عليه..
ليمتدَّ عبر الموجات الصَّوتية.. فتسمعَ به كلُّ الآذان.. ويخشاه قلب كلِّ إنسان..
- جنين: تفضَّلي خذي سيِّدتي.. تفضَّل خذ
سيِّدي..
- العمُّ سام: أنا أتحدَّاكم جميعاً.. اِخرس..
من فيكم تجرَّأ عليَّ وفتح خيشومه؟ هيا تكلَّم أيُّها الجبان.. لماذا بلعت لسانك؟ أنا
لا أحبُّ أن يقاطعني أحدٌ حين أتكلَّم.. عليكم جميعاً أن تنصتوا بإمعان إليَّ.. وتنفِّذوا
على التَّوِّ أوامري..
- شارون: منذ ذلك اليوم، أصبح اسمي شارون..
شارون.. شارون.. كم أحبُّ هذا الاسم.. وكم أعتزُّ به.. سأحرص على ألاَّ يحمله أحدٌ
غيري.. وألاَّ تكتب حروفه إلاَّ بالقلم الأحمر القاني..
- سين: (يظهر متعثِّراً في خطاه) وأنا.. وأنا..
- الجميع: من أنت؟؟؟
- سين: أنا.. أنا..
- شارون: هيَّا قل من أنت؟
- سين: أنا.. أنا..
- جنين: يبدو أنَّني أعرفه.. لا أذكر بالضَّبط
متى وأين التقيت به أوَّل مرَّة..
- العمُّ سام: أنا سأقول لكم من يكون.. إنَّه
لا أحد.. إنَّه لا شيء.. ها ها ها ها.. فلتستمرَّ الحكاية إذن..
- جنين: بل لتنته الحكاية..
- شارون: فعلاً.. لتستمرَّ الحكاية..
- سين: لـ.. لـ .. لا أدري ما أقول..
- العمُّ سام: إنَّها حكاية سعيدة
- جنين: بل إنَّها حكاية حزينة ومؤلمة..
- شارون: حقاًّ.. إنَّها حكاية رائعة ومسلِّية..
- سين: حكاية؟ أيُّ حكاية؟؟؟
- جنين: آه.. ماذا حدث اليوم؟ لقد أصبحت أنسى
في كلِّ مرَّة.. اِسمحوا لي ثانية أيُّها السَّادة والسَّيِّدات.. لقد نسيت أن أقدِّم
لكم الشَّخصية الخامسة.. الشَّخصية المحورية..
- الهزار: (يقفز فجأة) أنا الهزار.. في سعادة
أُمضي النهار.. تارةً أحلِّق وأحوم.. وتارةً على الأغصان أقوم.. بصوتي يأتي الرَّبيع..
بوجهه البديع.. حين أشدو تسمعني كلُّ الأطيار. وعند الغروب، أعود مسروراً إلى أفضل
الأوكار.. عشِّي ليس من القشِّ.. ولا يوجد على الأشجار..
- جنين: إنَّه يوجد هنا في حنايا قلبي..
- الهزار: عشٌّ ينبض بالدِّفء والحنان..
- جنين: لقد منحته كلَّ حبِّي..
- العمُّ سام: وأنا سأنزل عليك جامَّ غضبي..
كُخ.. بُّم، بُّم.. كُخ، كُخ.. بُّم، بُّم.. كُخ.. أين هرب؟
- شارون: أين ذهب؟
- العمُّ سام: أين هرب؟ (يختفي)
- شارون: أين ذهب؟ (يتبعه)
- سين: ما هذا؟ ماذا يحدث؟ لقد حان وقت النَّوم
- جنين: من فعل بك هذا يا عصفوري العزيز؟
من نتف ريشك؟ وقصَّ جناحك؟
- الهزار: من يكون غيره؟ إنه ذلك السَّام
أكثر بين جنس الهوام
- جنين: هيَّا تعال بسرعة لتختبيء في قلبي..
(يختفيان)
- العمُّ سام: (يظهر) ها ها ها.. يزعمون أنَّ
ذلك العصفور اللَّعين شغل النَّاس بصوته ليل نهار.. وجعلهم لا يعبأون بأحد سواه.. وأنا
لا أحبُّ هذا.. أنا أكره أن يسلب غيري نظرات الإعجاب منِّي.. ألا يعرف من أنا؟! أنا
أكبر وأمهر قنَّاص.. لكلِّ من سخن عليه الراس.. سأبحث عنه في كلِّ مكان.. حتى في صدور
النَّاس.. وحين أعثر عليه.. سأخمد أنفاسه وإلى الأبد.. كلاَّ، لا ينبغي لي أن أقتله
دفعةً واحدةً.. كيلا أكون به رحيماً.. عليَّ أن أسجنه، وأمنع الماء عنه، وكذا الحَبَّ
والحُبَّ.. كي يذوق الموت رويداً رويداً.. ها ها ها.. (يختفي)
- سين: ما كلُّ هذا الضَّجيج؟ دعوني أستلذُّ
بالنَّوم ما بقي لي من العمر.. ما أجمل النَّوم! ما أحلاه!
- العمُّ سام: (من الداخل) توقَّف! (يظهر)
تعال.. اِقترب هنا.. إلى أين أنت ذاهب؟
- سين: إلى السَّرير.. والغطاء الدَّافيء
الوثير
- العمُّ سام: أخبرني وإلاَّ جعلتك تنام النَّوم
الطَّويل.. هل رأيت ذلك العصفور اللَّعين؟
- سين: أيُّ عصفور؟!
- العمُّ سام: هيَّا أخبرني.. هل رأيته؟
- سين: هل تعني في منامي!
- العمُّ سام: هيَّا قل بسرعة! لا تثر غضبي
أكثر من هذا..
- سين: نعم.. لا.. نعم.. لا.. لقد مرَّ من
هنا.. لا.. أظنُّ من هنا.. أو ربَّما من هذه الجهة.. لم أعد أتذكَّر شيئاً.. هل أنا
صاحٍ أم نائمٌ؟
- العمُّ سام: أغرب عن وجهي.. هيَّا اِذهب
لتنام.. قبل أن أفرغ محتوى هذه البندقيَّة في جمجومتك الفارغة.. ولكن لن أفعل، فرصاصةٌ
واحدة فيها أغلى منك ومن الذين خلَّفوك.. أين يمكن أن يكون ذلك العصفور اللَّعين مختبئاً
الآن؟؟ (يركل كلبه)
- شارون: (يظهر) عَوْ.. عَوْ.. أنا لديَّ
الجواب لسؤالك هذا.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: هاته بسرعة! ولكن من أنت؟؟؟
- شارون: أنا فاعل خير.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: فيمن تفعل الخير؟
- شارون: فيَّ أوَّلاً عَوْ.. عَوْ.. ثمَّ
في الآخرين فيما بعد إذا شئتُ عَوْ.. عَوْ
- العمُّ سام: كم تريد؟
- شارون: كلَّ ما في وسعك.. عَوْ.. عَوْ..
وسآتي به قبل أن يرتدَّ إليك طرفُك.. عَوْ .. عَوْ
- العمُّ سام: هل أنت من العفاريت؟
- شارون: أجل.. عَوْ .. عَوْ.. من عفاريت
الكلاب.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: إذن، قل لي في أيِّ شيءٍ تطمع؟
- شارون: فيما لديك وبين يديك.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: سأعطيك ما يكفيك
- شارون: (يرفض بإشارة من رأسه) عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: سأعطيك أكثر ممَّا يكفيك
- شارون: (يأتي بنفس الحركة) عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: سأملأ لك الأرض ذهباً.. والسَّماء
نجوماً
- شارون: أنا لا أريد هذا ولا ذاك.. عَوْ
.. عَوْ
- العمُّ سام: وماذا تريد إذن؟!
- شارون: (متوسِّلاً) أريد رضاك.. عَوْ..
عَوْ.. أريد مودَّتك.. عَوْ.. عَوْ.. أريد حماك.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: إذا كنت ترغب كما تقول في أن
ينالك نصيبٌ من رضايَ ومودَّتي.. فجئني بذلك العصفور اللَّعين حياًّ.. حتى آخذ حقِّي
وزيادةً منه.. وسأضمن لك الحماية اللاَّزمة..
- شارون: اِطمئن يا سيِّدي.. عَوْ.. عَوْ..
إنَّ لخرطومي هذا شماًّ يفوق بكثير شمَّ كلبك هذا.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: إذا كنت صادقاً فيما تقول..
فأنا أعدك بأن تكون كلبي الوفي بدل هذا الكلب الذي لم يعد يشمُّ إلا ما يحبُّ هو ويرضى..
لا ما أحبُّ أنا وأرضى..
- شارون: لحظةً واحدةً والمراد سيحضر بين
يديك.. عَوْ.. عَوْ.. (يختفي برهةًّ، ثم يعود وهو يجرُّ جنين)
- العمُّ سام: أيُّها الكلب.. هل وجدت العصفور
اللَّعين؟ أنا أمرتك أن تحضر لي العصفور لا الفتاة.. النِّساء من بعد.. بعد أن أقضي
على ذلك اللَّعين.. وأريحَ نفسي منه..
- شارون: وهذا ما فعلته يا سيِّدي.. عَوْ..
عَوْ.. لقد جئتك بالعصفور.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: أين هو؟ أنا لا أراه !
- شارون: إنَّ عشَّه في قلب هذه الحسناء الجميلة..
عَوْ.. عَوْ.. والأطيار لا بدَّ أن تعود عند المغيب إلى الأوكار.. عَوْ.. عَوْ.. فبعد
حينٍ، سوف يعود العصفور إلى عشِّه مرهقاً من تعب النَّهار.. عندها سيسهل عليك اقتناصُه..
عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: يا لك من كلبٍ عبقريٍّ.. لم
يجد التَّاريخ بمثله!
- الهزار: (يظهر في الخلف) لقد ألقى الوغدان
القبض على جنين المسكينة..
- العمُّ سام: هيَّا أسرع بالعَوْدة أيُّها
العصفور اللَّعين.. إنَّك لا تعلم فداحة العذاب الَّذي ينتظرك منِّي.. ستسقط ريشاتك
الواحدة تلو الأخرى.. من الجوع والعطش.. وتذوق الموت في اليوم ألف مرَّة..
- شارون: كم أودُّ أن أجعله أشلاءً.. عَوْ..
عَوْ.. بهذه المخالب والأنياب.. عَوْ.. عَوْ..
- الهزار: لا تحزني يا جنين.. سأجد الحيلة
لأخلِّصك منهما..
- العمُّ سام: لقد تأخَّر العصفور اللَّعين..
كيف لم يعد إلى حدِّ الآن وقد خيَّم الظَّلام.. اِسمع أيُّها الكلب.. سأخرج لأبحث عنه
في الجوار.. واحرس أنت هذه الفتاة حتَّى أعود.. (يختفي)
- شارون: عَوْ.. عَوْ..
- الهزار: هذه هي فرصتي.. (يهجم على شارون
ويفقأ عينه اليمنى)
- شارون: عَوْ.. عَوْ.. لقد فقأ اللَّعين
عيني.. عَوْ.. عَوْ..
- الهزار: هيَّا نهرب يا جنين.. قبل أن يعود
إبن الَّذين.. (يختفيان)
- العمُّ سام: (يظهر) من فعل بك هذا؟
- شارون: إنَّه ذلك اللَّعين.. عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: هل عاد؟
- شارون: عَوْ.. عَوْ..
- العمُّ سام: وأين هو الآن؟
- شارون: ومن أين لي أن أعرف.. عَوْ.. عَوْ..
وأنا لا أرى شيئاً.. عَوْ.. عَوْ.. حتَّى اسمي المكتوب بالأحمر لن أراه أبداً.. عَوْ..
عَوْ..
- العمُّ سام: ولكن ما زالت لديك العين الثَّانية..
يبدو أنَّك لن تجديني في شيءٍ.. لأجعل إذن من جسمك كلِّه كلمةً حمراء.. اسمها الموت..
خذ.. بُّم (يقتله) أينك أيُّها العصفور اللَّعين؟ أينك؟؟ (يختفي)
(انتهـت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق